Breaking News

الركن السادس - أركان الإيمان


( الإيمان بالقضاء والقدر )

لاشك أن الإيمان بالقضاء والقدر يعد ركناً أساسياً  من أركان الإيمان لأن القضاء والقدر عنصر مهم جداً لحياة الإنسان فيجب الاعتقاد الجازم بأن الله سبحانه وتعالى قدر كل شيء إلى قيام الساعة فالذي اتصف بصفة الكمال وصفة العلم المطلق حيث أنه يعلم ما كان وما يكون وما سيكون كيف يكون لو كان فله القدرة الكاملة على تقدير كل شيء من خير وشر، وكل شيء في هذا الوجود .
وإرادة الله سبحانه وتعالى تنقسم إلى قسمين
إرادة كونية قدرية عامة هذه الإرادة الكونية القدرية العامة لا يخرج عنها شيء في الوجود بأي حال من الأحوال
وإرادة شرعية دينية خاصة
فالإرادة الكونية القدرية العامة هي ما قدره الله في هذا الوجود وكتبه في اللوح المحفوظ إلى قيام الساعة ، ودليلها قوله تعالى ) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ(49)( ([1]) وورد عنه صلى الله عليه وسلم(حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ أَوْصَانِي أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ يَا بُنَيَّ أُوصِيكَ أَنْ تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُؤْمِنْ أَدْخَلَكَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى النَّارَ قَالَ وَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْقَلَمُ ثُمَّ قَالَ لَهُ اكْتُبْ قَالَ وَمَا أَكْتُبُ قَالَ فَاكْتُبْ مَا يَكُونُ وَمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ)([2]
فكل شيء في  الوجود من صغير و كبير و ذكر و أنثى لا يمكن أن يخرج عن هذه الإرادة الكونية القدرية العامة بأي حال من الأحوال
أما الإرادة الثانية فهي الإرادة الشرعية الدينية الخاصة حيث أراد الله منا على لسان رسله وفي كتبه أن نفعل كذا ولا نفعل كذا فأراد مثلاً منا شرعاً وديناً أن نصلي ) حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ(238)(  (2)) وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ( (3) ) كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(183)( (4) ) وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا(32)  ( (5) بشأن الخمر  قوله تعالى ) فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ(91) ( (6)، وغيرها من الأدلة التي تطالبنا بأن نتوجه إلى الله سبحانه وتعالى ) اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ( (7)
أي أنه أراد منا شرعاً أن نعبده ونوحده وطلب منا شرعاً وديناً أن نبتعد عن خطوات الشيطان و ألا نقترب منها وأن نعتبره عدواً لنا فلننتبه إلى هاتين الإراديتين والفرق بينهما.
قد يسأل سائل ويقول:هل يجوز الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي؟ يعني لو أن إنساناً  أراد أن يشرب خمرا فقال له المحتسب أو الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر الذي يريد له الخير: لا تشرب الخمر قال الذي يريد شرب الخمر:إن الله أراد مني  قدرا أن أشربها قال له المحتسب :اتق الله فالله لم يرد منك أن تشربها إنما أراد منك ألا تشربها
حيث قال:{فهل أنتم منتهون} والشيء الثاني ليس عندك علماً قطعياً تثبت به أن الله أراد منك أو قدر عليك شرب هذه الخمر فأنت تتحدث عن غيب وعن علم مجهول وأنا أحدثك أيها المحتسب بعلم حاضر هذا العلم الحاضر هو إرادة الله الشرعية الدينية التي حرمت عليك الخمر ولذلك لا يجوز الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي في أي حال من الأحوال، ولذلك لما جاء السارق إلى عمر t فقال: سرقت يا عمر بقضاء الله وقدره قال له عمر  : ونحن نقطع يدك بقضاء الله وقدره فقام وقطع يده ولم يستمع منه عمر t عندما احتج بالقضاء والقدر على فعل  المعصية،

لكن إذا فعلت المعصية هل خرجت عن إرادة الله وقدرته ؟

فيه تفصيل فهو لما شرب الخمر فهل خرج عن قضاء الله وقدره؟ الجواب: لا لم يخرج عن قضاء الله وقدره أي  الإرادة الكونية القدرية العامة لكنه خرج عن الإرادة الشرعية الدينية الخاصة فلما كان الله يعلم ما كان وما يكون وما سيكون كيف يكون لو كان فعلم الله أن فلان ابن فلان في تاريخ كذا في مكان كذا في يوم كذا ستركب فيه إرادة  ومشيئة سينزل عليه نص يقول له ) فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ(91)( ([4]) وسيشرب الخمر فقدر الله عليه ما هو حاصل منه و حيث خالف الإرادة الشرعية الدينية الخاصة فصارت عقوبته من جنس عمله لكنه في كلتا الحالتين سواء شربها أو لم يشربها هو لم يخرج عن إرادة الله الكونية القدرية العامة لكن المصلي وافق إرادة الله الكونية القدرية العامة ووافق إرادة الله الشرعية الدينية الخاصة فجزاؤه النعيم من جنس عمله، والذي شرب الخمر أو لم يصل وافق الإرادة  القدرية العامة وخالف الإرادة الشرعية الدينية الخاصة ومن هنا يأتي الجزاء والعقاب ……
هل يجوز  للإنسان النوم وعدم العمل و فعل الأسباب بحجة القضاء والقدر وأن ذلك مكتوب عليه؟ الجواب: لا يجوز للإنسان أن يحتج بالقضاء والقدر على ترك العمل وفعل الأسباب بأي حال من الأحوال لأنك لا تعلم ما قدر الله عليك  فيجب عليك أن تفعل الأسباب التي تنقذك سواء من الناحية الدنيوية أو من أي ناحية،(  حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عبيده عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِي اللَّهم عَنْهم قَالَ كُنَّا جُلُوسًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ عُودٌ يَنْكُتُ فِي الْأَرْضِ وَقَالَ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا قَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ أَوْ مِنَ الْجَنَّةِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ أَلَا نَتَّكِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَا اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ ثُمَّ قَرَأَ ( فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ) اْلآيَة ) ([5])
{ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ أَبِي قُرَّةَ السَّدُوسِيُّ قَال سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ قَالَ اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ قَالَ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ يَحْيَى وَهَذَا عِنْدِي حَدِيثٌ مُنْكَرٌ قَالَ أَبو عِيسَى وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ هَذَا}([6]).
فلم يجز رسول الله  (ص) أن يترك السبب ويعتمد على القضاء والقدر إنما لفت نظره إلى قضية عقلها وقضية الاهتمام بها فلذلك هؤلاء الذين لا يعملون ولا يكتسبون ويعيشون عالة على الآخرين بحجة أن الله يرزقهم هؤلاء لا دليل لهم من كتاب ولا من سنة ) وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ( (2)
ما هو حكم الخوض في القدر أكثر من الحد اللازم؟
الجواب: لا يجوز الخوض في القدر أكثر من الحد اللازم أكثر مما ورد في الكتاب ومما ورد في سنة الرسول  ( r ) ،لأن القدر سر الله سبحانه وتعالى في خلقه لم يطلع عليه نبي مرسل ولا ملك مقرب ولأن القضاء والقدر أمره إلى الله سبحانه وتعالى فهو الذي خلق الخير وهو الذي خلق الشر وهو الذي خلق الجنة وهو الذي خلق النار وهو الذي خلق إبليس وهو الذي خلق جميع المخلوقات وهو الذي يعلم ما كان وما يكون وما سيكون كيف سيكون لو كان فليس لك الحق أن تقول لماذا تخلق الجنة ولماذا تخلق النار ولماذا تخلق الطرق والوسائل التي تؤدي إلى النار لا يجوز لك في أي حال من الأحوال وإنما الذي ينبغي أن تسأل وتقول ماذا أمر ربنا حتى نتبعه وماذا نهى عنه حتى نبتعد عنه أما أن تسأل لماذا خلق كذا ولماذا كذا فهذا ليس من شئونك لأنه سبحانه وتعالى ) لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ(23) ( (1(1))
ولذلك ضل الفلاسفة والمتكلمون  لما خاضوا في القدر أكثر من الحد الذي رسم لهم0 
إذا حصلت للإنسان مصيبة أو كارثة نعم يقول الحمد لله قدر الله وما شاء فعل فإنه يؤمن بقضاء الله وقدره ويستسلم لما حل به لأن الله سبحانه وتعالى قدره وكتبه عليه من فوق سبع سماوات ولو أن إنسانا   مات له قريب فيجب عليه أن يحتسب وأن يؤمن بقضاء الله وقدره وأن يصبر وإن  فقد ماله  أوحلت عليه كارثة أو رسب في الامتحان  فيجب عليه أن يصبر و يحتسب و يقول قدر الله وما شاء فعل وأنا فعلت الأسباب وغير ذلك لا أملك شيء0
لذلك الإيمان بالقضاء والقدر نعمة من الله علينا نحن أمة الإسلام إذا
عرفنا كيف نسير على طريقته و كيف نؤمن به حيث يعودنا الصبر و عدم الاتكال و  الكسل و  الجد و  المثابرة و الشجاعة والبطولة فهذا مثلاً خالد بن الوليد يخوض الحروب ومع ذلك يموت على فراشه لأن الله قدر أن لا يموت إلا على فراشه0  و أن نعتمد على الله سبحانه وتعالى وحده دون من سواه ، ويعودنا الراحة النفسية، و قوة الإنتاج سواء كان إنتاجا زراعياً أم صناعياً أم تجارياً لأنه لو قدر أن إنتاجك الزراعي في هذه السنة عطب فأنت تستسلم لقضاء الله وقدره ولا تخور قواك ثم تبدأ حياة جديدة مرة ثانية وتفعل السبب مرة ثانية وثالثة وهكذا، والإيمان بالقضاء والقدر سبب في سعادتنا في الدنيا وفي الآخرة وسبب من أسباب ابتعاد الانتحار عن كثير من أفراد الأمة الاسلامية0
ولذلك تجد الذين لا يؤمنون بقضاء الله وقدره  تكثر بينهم الأمراض النفسية والانتحار و الأمراض المتعددة سواء كانت نفسية أو جسمية ويتفشى بينهم القلق والاضطراب والحيرة  في هذه الدنيا ولهذا نحن أهل الإسلام مطالبون بأن نربي أنفسنا وأبناءنا تربية إسلامية قائمة على الإيمان بالقضاء والقدر وقائمة على التسليم الكامل لله سبحانه وتعالى فيم أراد منا وقائمة على حب الله سبحانه وتعالى وعلى حب رسوله  r وهذا هو السر الذي يجعلنا نحقق نحن أمة الإسلام السعادة في الدنيا وفي الآخرة بخلاف التربية الغربية أو الشرقية التي تربي أبنائهم على أن الإنسان حر بنفسه ويتصرف كيفما يريد وأنه ليس له من مدبر و من مسير فهذه التربية السيئة المنحرفة هي التي أوجدت هذه الحضارة العرجاء التي تقوم على رجل واحدة .
ولكن بتعاون المسلمين وتكاتفهم وعودتهم إلى المنبع الصافي الكتاب والسنة بإمكانهم بإذن الله أن يعيدوا للمسلمين مجدهم وعزهم وسعادتهم وأن  يكونوا بحق خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر 0ومن ذلك يتبين لنا أهمية وفائدة أركان الإيمان الستة حيث أن الإيمان في اللغة التصديق وفي مصطلح الشرع(  الاعتقاد في القلب والنطق باللسان والعمل في الجوارح يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ) وأن هذه الأركان الستة التي هي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر خيره وشره لها دور كبير جداً في تحديد مسار الفرد والمجتمع و  مسار الإنسانية حيث يعرف الإنسان من خالقه ومن رازقه ومن محييه ومن مميته وأنه يجب أن يصرف له جميع أنواع العبادة دون ما سواه وأن يعلم علم اليقين أنه جاء من التراب وأن الله قد نفخ فيه من روحه وأنه خلق لعبادة الله ) وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ(56)( ([7]) و يجزم ويعلم علم اليقين أنه سيموت وستنفصل روحه عن جسده ثم يعود جثة هامدة ثم ينتقل إلى عالم الآخرة لأجل ينتظر حسابه وجزائه أن خيراً فخير وإن شراً فشر وهذا التصور الذي جاءت به الرسل ونزلت به الكتب وفصل تفصيلاً كاملاً واضحاً تجعل هذا الإنسان يسير في هذه الدنيا سيراً حسناً ويجعله إنسانا مثالياً يحب للآخرين ما يحبه لنفسه ويسعد في الدنيا والآخرة   ويحب الإنتاج الزراعي والصناعي والتجاري ويحب العمل للآخرة جاء عن بعض السلف( اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لأخرتك كأنك تموت غدا) وهذا ما كان يعمله الصحابة وهو الذي كان سبباً في انتصارهم على الكفار في مشارق الأرض ومغاربها والذي بسببه انتصر المسلمون على فارس و الروم ووصلوا إلى أبواب باريس وبكين 0


(1) سورة القمر آية 49
([2]) احمد=ح=21649    
(2) سورة البقرة آية 238
(3) سورة البقرة آية 196
(4) سورة البقرة آية 183
(5) سورة الإسراء آية 32
(1) سورة المائدة آية 91
(2) البخاري   / القدر/ 6115   
(1)الترمذي/ صفة القيامة /2411
(2)سورة التوبة آية 105

(1) سورة الذاريات آية 56

ليست هناك تعليقات

تعليقك يهمنـــا
أترك تعليقك هنــــــا ... لكى نستطيع التطوير والإستفادة من الآراء

هل إستفدت من تلك المقالة ؟
نعم أو لا