Breaking News

الركن الخامس - أركان الإيمان


( الإيمان باليوم الآخر )

الإيمان باليوم الآخر هو الركن الخامس من أركان الإيمان فالمقصود باليوم الآخر هو البعث وما وراء البعث فيجب الإيمان الجازم القاطع بأن الله سبحانه وتعالى سيبعث الناس من قبورهم وسيحشرهم في صعيد واحد لأجل أن يحاسبهم على أعمالهم إن خيراً فخيراً وإن شراً فشر، ونعتقد الاعتقاد الجازم بأن من مات فقد قامت قيامته أي أن من مات وانتقل إلى عالم الآخرة فقد بدأ في عملية الحساب و عملية العذاب أو النعيم.
فرسولنا e قال بشأن القبر وعذابه ونعيمه :{ إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار يقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة }([1]).
وقد مر الرسول e على قبرين فأطلعه الله على عذابهما فأخذ جريدة وشقها نصفين ووضع على كل قبر نصفاً وقال الصحابة لم فعلت ذلك يا رسول الله؟ قال: { إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يسعى في النميمة }([2]) ففي هذا الحديث دلالة قطعية على أن الإنسان يعذب في قبره، والحديث الأول فيه دلالة قطعية على أن الإنسان قد يعذب وقد ينعم ومعلوم أن الإنسان إذا وضع في قبره يأتيه ملكان أحدهما منكر والآخر نكير فيسألانه عن ربه ودينه ونبيه؟ فالمؤمن والموحد يقول: ربي الله وديني الإسلام ونبي محمد e ،فيوسع له فى قبره ويصبح روضة من رياض الجنة، والكافر يقول عندما توجه له هذه الأسئلة هاه .. هاه لا أدري سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته فيبدأ بتعذيبه ويضيق عليه قبره ويصبح قبره حفرة من حفر النار، نسأل الله العفو والعافية، وهذا كله وارد عن رسول الله e ثم بعد هذه العملية وهي عملية الحساب والنعيم والعذاب المبدئي في القبر وهذا مما يجب الإيمان به  والجزم والقطع به ولا يجوز إنكاره بأي حال من الأحوال فمن أنكر عذاب القبر أو نعيمه فهو كافر خارج عن ملة الإسلام ، حيث أن الله أثبت ذلك ) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا ءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ(46)( ([3]) ولا غرابة في عذاب القبر ونعيمه فأنت ترى الإنسان مثلاً يعذب وينعم وهو بجانبك أي النائم  طريق  الأحلام وأنت لا تعلم عنه شيئاً فإذا كان هذا واقع في الدنيا فكيف بهذا العالم الذي يختلف عن عالمك، ومعلوم أن للروح تعلقات بجسد الإنسان تختلف من حالة إلى أخرى فتعلق الـروح بالجنين عندما كان في بطن أمه يختلف عن تعلقها عندما تخرج إلى عالم الدنيا وكذلك تعلقها أي الروح بالإنسان عندما ينام تختلف عن تعلقها عندما يكون مستيقظاً وكذلك خروجها منه أثناء الموت ثم عودتها إليه بعد موته مرة ثانية كلها تعلقات تختلف من حالة إلى أخرى وهذا هو السر الذي يجعلنا لا نرى عذاب القبر ولا نعيمه وهذا من كمال رحمة الله علينا لأنا لو رأينا عذاب الميت لسئمنا من الدنيا ولربما تركنا العمل و خوت الدنيا وما عليها ولذلك روى :{أنه يضرب الميت ضربة يسمعها كل شيء إلا الثقلين الجن والإنس}([4]) فإذن عذاب القبر ونعيمه محجوب عنا لا نراه نحن الأحياء وذلك لكي تكتمل قصة الابتلاء والاختبار والامتحان، حيث  طالبك الله أن تؤمن بشيء لم تره فإذا آمنت به وصدقت فهذا من كمال إيمانك وإذا شككت به فهذا من ضعف إيمانك ويخشى عليك من الشيطان ومن النار، ولذلك ما على المسلم إلا التسليم القاطع الجازم الذي لا يتطرق إليه أدنى شك بعذاب القبر ونعيمه وأنه حق وثابت وأن الناس إذا ماتوا تعاد إليهم أرواحهم بالطريقة التي لا يعلمها إلا الله ثم يبدأ في عملية العذاب وعملية النعيم والعذاب والنعيم يقعان في القبر على الروح مباشرة والجسد تابع لهذه الروح أي أنه يقع عليهما ولكنه على الروح مباشرة وهذا الجسد يتألم أو يتنعم سواء كان في هذه الحفرة أو سواء كانت قد أكلته السباع أو  كان في الثلاجة أو كان في بطن الحوت أو قد أحرق وذري وترك في الهواء فإنه أي هذا الجسد يعذب أو ينعم تبعاً لتلك الروح وهكذا إلى ما شاء الله، ثم بعد ذلك يأمر الله سبحانه وتعالى إسرافيل بالنفخ في الصور قال تعالى)وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ(68)( ([5])، ثم يهرع الناس ويخرجون من قبورهم حفاة عراة غر لا يخرجون ويحشرهم الله في مكان واحد قال تعالى ) وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا(47)(([6])، ثم يبدأ بعملية الحساب وعملية الجزاء والمناقشة وتنصب الموازين وتوضع الموازين القسط ليوم القيامة ) فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ(6)فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ(7)وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ(8)فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ(9)(([7]) ثم بعد ذلك يأخذ الناس كتبهم إما بأيمانهم أو بشمائلهم، فالذي يأخذ كتابه بيمينه فهذا دليل خير ودليل أنه سيعبر إلى جنة برحمة الله عرضها السموات والأرض، وأما من أخذ كتابه بشماله فهذا دليل على شقائه نسأل الله عدم الشقاء ، ثم بعد ذلك العبور من فوق الصراط،

والصراط في اللغة الطريق

وفي مصطلح الشرع ذاك الجسر المنصوب على متن جهنم صفته أنه أحد من السيف وأدق من الشعرة وأن عليه كلاليب وخطاطيف تخطف من أمرت بخطفه، يعبر الناس عليه على قدر أعمالهم فمنهم من يعبر كلمح البصر ومنهم من يعبر كالبرق الخاطف ومنهم من يعبر كالريح المرسلة ومنهم كالخيل ومنهم من يركض ركضا ومنهم من يمشي مشيا ومنهم من يهرول ومنهم من يزحف ومنهم من لا يستطيع أن يعبر على هذا الصراط فيسقط في جهنم نسأل الله العفو والعافية ثم بعد ذلك يعبر الناجون إلى مكان أسمه القنطرة وهم المؤمنون الموحدون ويسقط الكفار والمنافقون والمتشككون والعصاة من الموحدين الذين تعجز أعمالهم الصالحة أن تنتشلهم إذ تغلبت سيئاتهم على حسناتهم فهؤلاء العصاة الموحدون يسقطون في جهنم ثم يطهرون ما شاء الله أن يطهروا ثم تشملهم الشفاعة في يوم من الأيام أي الموحدون العصاة، أما الكافرون والمنافقون والمتشككون فهؤلاء خالدون في جهنم ، جهنم تلك التي ورد في صفتها أن عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، وكلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب وبعد أن يعبر هؤلاء المؤمنون إلى القنطرة يتقاسمون فيما بينهم المظالم الخفيفة ثم بعد ذلك يؤذن لهم بدخول الجنة فيدخلون على مراتب ومعلوم أن أعلى مراتب الجنة الفردوس الذي تشقق منه أنهار الجنة، تلكم الجنة التي كنتم توعدون، تلك الجنة التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر تلك الجنة التي من دخلها فإنه لا يشقى أبدا تضمن له السعادة الحقيقية الأبدية السرمدية، ثم بعد أن يستقر أهل الجنة في الجنة على حسب مراتبهم ومنازلهم وبعد أن يستقر أهل النار في النار على حسب مراتبهم وأشدهم المنافقون في الدرك الأسفل من النار، ثم بعد ذلك  يأذن الله سبحانه وتعالى أن يؤتى بالموت على هيئة كبش ثم بعد ذلك ينحر ما بين الجنة والنار فيقال لأهل الجنة يا أهل الجنة خلود ولا موت ويقال لأهل النار يا أهل النار خلود ولا موت فما أعطي أهل الجنة يوماً أسعد من ذلك اليوم الذي ضمنت لهم به الحياة الأبدية السرمدية وما أعطي الكفار يوماً أشقى من ذلك اليوم الذي ضمنت لهم الحياة الأبدية السرمدية الشقية نسأل الله أن نكون وإياكم من أهل الجنة و ألا نكون من أهل النار.
هذا ملخص موجز لما يمر به الناس منذ وفاتهم حتى يستقروا في هذه الجنة، أو حتى يستقروا في هذه النار، ويجب الإيمان جملة وتفصيلاً بهذه الأمور التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه وذكرها رسوله r، ومن شك في شيء أو أمر من أمور الآخرة أو كذب به فهو كافر ومرتد عن دين الله سبحانه وتعالى فلو قال قائل :أنا لا يصدق عقلي أن هناك طريقا أدق من الشعرة وأحد من السيف ومع ذلك الناس يمرون من عليه فنقول له: إن كان عقلك لا يصدق بذلك فقد كفرت لأنه لا دخل للعقل بتلك الأماكن ولا بذلك العالم لأنه عالم يختلف عن أي شيء في عالمنا الدنيوي فالله قادر على كل شيء، فالله يقول للشيء كن فيكون، أو أن إنساناً أنكر الجنة أو  النار أو  الملائكة الذين يعذبون الناس في النار أو  الموازين أو  مكان الحشر أو أي شيء من أمور الآخرة الثابتة في كتاب الله وسنة نبيه r  فلاشك في كفره وردته وخروجه عن ملة الإسلام، ولذلك ينبغي علينا أمة الإسلام أن نربي أنفسنا منذ الصغر على الإيمان والتصديق الجازم الكامل بهذه المراحل التي يمر بها الإنسان منذ وفاته وحتى استقراره إما في الجنة وإما في النار لأن هذا من مكملات الإيمان ويجب علينا أن نربي أبناءنا كذلك وأن نذكرهم بتلك المواقف العظيمة التي سيقفونها أمام الله مجردين إلا من أعمالهم الصالحة قال تعالى ) لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا(49)(([8]) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ(6)فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ(7)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ(8)(([9]) .
فلاشك أن الناس إذا تربوا منذ الصغر على الاعتقاد الجازم الذي لا يتطرق إليه أدنى شك بهذه المراحل   فإنهم سيخلصون العمل لله ، وسيحصل عندهم التعاون والتكاتف وسيبتعدون عن طريق الشيطان وستحصل لهم السعادة الأبدية السرمدية في الدنيا والآخرة، وهذا بخلاف ما عليه الكفار من الانحراف وعدم التصديق بذلك اليوم وأهواله ولذلك تجدهم كما يصفهم القرآن ( إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل) تجدهم لا يلقون بالاً للفضيلة ولا يلقون بالاً لأوامر الله سبحانه وتعالى وتجد شريعة الغاب هي التي تحكم بينهم وفيهم أنانيون وتجدهم والعياذ بالله سباع لا تهمهم مصالح الآخرين في سبيل مصالحهم وانتشرت بينهم الرذائل واختفت فيما بينهم الفضائل وانتشرت بينهم الأمراض الجنسية كالإيدز والهربس وغيرها من الأمراض المعنوية والأمراض الحسية وما ذلك إلا بسبب عدم تربيتهم وتربية أبنائهم على منهج الله وعلى تصور ذلك اليوم العظيم الذي سيقفون فيه مجردين إلا من أعمالهم الصالحة فليس عندهم هذا التصور.
فلذلك نحن أمة الإسلام نختلف عنهم اختلافاً جذرياً عندما نطالب أنفسنا وأبنائنا بالتربية على منهج الله والإيمان باليوم الآخر وما فيه من أهوال وما فيه من عذاب ونعيم وذلك لكي نحقق لأنفسنا ولأمتنا السعادة في الآخرة،


(1) صحيح البخاري (3/243) مسلم (17/200) ابن ماجة (4270) أحمد (2/113) ابن حيان (5/53) الطيالس (1832) الخطيب في التاريخ (8/49).
(2) صحيح الإمام البخاري: كتاب الجنائز . باب عذاب القبر من الغيبة والبول، وصحيح الإمام مسلم كتاب الطهارة ، باب الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه ح111  واللفظ للبخاري.
(1) سورة غافر آية 46
(1) سنده صحيح - أبو داود (4827) أحمد (4/286-296)
(2) سورة ا لزمر آية 68
(2) سورة الكهف آية 47
(3) سورة القارعة آية 6-9
(1) سورة الكهف آية 49
(2) سورة الزلزلة آية 6-7-8

ليست هناك تعليقات

تعليقك يهمنـــا
أترك تعليقك هنــــــا ... لكى نستطيع التطوير والإستفادة من الآراء

هل إستفدت من تلك المقالة ؟
نعم أو لا